انطباعات فضائية
محمد الشرهان..أنقذ شبابنا من «الخمال»!!
قبل مدة ظهر الراوي المعروف محمد الشرهان على قناة السعودية في برنامج شعبي. هل سبق وأن جلس والدك مع أصدقائك المراهقين وبدأ يجيب على اسئلتهم المضحكة ويرد على تعليقاتك التي تهزأ بتظاهرهم بمعرفتهم«علوم الرجاجيل» بمجاملات تمتدح اسئلتهم المهمة وانت تعرف وهو يعرف أن استفساراتهم في غاية السذاجة؟!. شيء من هذا القبيل يمكن أن تراه في تلك الحلقة.
المكان يوحي بالبيت التراثي العتيق إلا أن التعامل مع الشرهان لم يكن مناسباً أبدا لرجال يعرفون السلوك الذي يجب الالتزام به في مثل هذا البيت. المذيع كان يتكلم كثيرا ولايترك لضيفه الفرصة للحديث ويكثر من الأسئلة ولايستمع للإجابة ويقوم بتعليقات سخيفة على القصص ويطلب القصائد كما تطلب أغاني نانسي عجرم. هذه العجلة والإلحاح والتعليق السخيف هي مايسميه البدو «الخمال»(لا اعتقد أن لهذه الجملة شرحاً محدداً. ربما هي تعني مجموعة من الصفات الرديئة التي تظهر الشخص فاقداً للذوق ومغفلاً) ويعلمون أولادهم من الصغر أن يبتعدوا عنه حتى لايصبحوا محط سخرية الآخرين.
في الحقيقة أن غالبية البرامج الشعبية التي قدمت للسعوديين على شاشة القناة الأولى لم تسلم من هذه« الخمال» حتى أصبحت هي في النهاية مصدر سخرية الناس أنفسهم. الغريب أنها وعلى الرغم من التراث القصصي والشعري الهائل الذي يحفل به تاريخ الجزيرة العربية إلا أنها لم تستفد منه اطلاقا واعتمدت فقط على طرق تقليدية في تصوير حياة البادية عبر تصوير بدائي و حوارات تقليدية وبسيطة يعرف المذيع إجابتها قبل أن يسأل وقصائد تلقى بأسلوب غير مفهوم يقولها شعراء مرتبكون من الكاميرا . كان أفضل مافي هذه البرامج صور قطيع الإبل والصوت الحزين للربابة ولكن كان هذا يدفع التساؤل بأنه لابد لهذه الصور التي تغمر بالحنين حتى صغار العمر الذين لم يركبوا بحياتهم جملاً أن تخفي خلفها الكثير من القصص المثيرة التي شهدتها مثل هذه الصحراء الشاسعة.
أهم عمل يمكن أن يقوم به الشرهان عبر قصصه الممتعة هو كشفه عن الكثير من القصص والقصائد التي جرت لأهلنا و حجبها مثل هذا الإعلام الجامد الذي سيطرت عليه برامج الوعظ الغليظ الذي لم نر من خلالها أنفسنا إلا في دور المذنب والذي يجب عليه دوما أن يكفِّر عن اخطائه التي لا تحصى أو تلك المسلسلات السقيمة.
مع الشرهان يمكن أن نعرف أن أجدادنا احبوا و كرهوا و حزنوا و غضبوا و بكوا و فرحوا. أي كانوا بشراً عاديين ولم يكونوا مجرد اناس يحلبون الغنم ويكرمون الضيف كما تقدمه البرامج الشعبية وليس اناساً فقط يقومون بغزو بعضهم كما تطنطن به سواليف المتعصبين قبليا في المجالس الخاصة وليسوا فقط رجالاً مثلنا كانوا خطائين يرتكبون ذنباً كل دقيقة كما تقدمه برامج الوعظ . كل هذا كان يجب أن يطلع على جانب إنساني عاطفي معقد لا يمكن اختزاله بشكل مدرسي وهذا ما يجب أن يصلنا نحن لنشعر بهذا الحس الإنساني الذي لن يجعلنا نتعامل مع أنفسنا بسطحية كبيرة تعمل وفق طريقة الصح والخطأ.
الشرهان يمكن أن يطلعنا على الكثير من القصص الجميلة التي لا نسمع من خلالها نبرة تعصب أو تعدٍ أو سفه. «سواليف» تراثية يقولها بطريقة سلسة وظريفة . جيل الشباب الآن يقع في مأزق لأنه يبدو فارغاً تماما. إنه لا يعرف أياً من الحكايا والقصائد التي قيلت في الماضي وهو يكره القراءة ولا يطلع على آخر الأفكار العلمية الحديثة. لذلك يبدو ضائعاً ويفتقد للعمق وهو عاجز تماما عن الحديث إلا تلك السواليف التي تبدأ ب« والله حقدت على نفسي البارحة» وتنتهي ب« والله بغيت أفقع وجهه». وهذا هو« الخمال» بعينه. الشيء الرائع الذي يمكن أن يقوموا به هو أن يتعرفوا على الطرق الحديثة بالتفكير التي تجعلهم يتمتعون بحس نقدي تجعلهم يستخرجون أفكاراً مهمة من تاريخ اجدادهم الشفهي ممكن أن تفيدهم في حياتهم وتربطهم بماضيهم بطريقة سليمة. المؤسف حقا هو أن الشرهان قدم حلقاته في رمضان الماضي على شاشة قناة قطر مع أن السعوديين أولى بأن يسمعوا منه . في ذات اللقاء قال إنه لم يرتبط وحتى الآن على تقديم حلقات في رمضان القادم. أعتقد أن على الشرهان أن يأخذ مكانه في الإطار العام بالنسبة للمشاهدين. أعتقد أنه قادر على إنقاذنا من بعض «الخمال» ولكن عليه أن يحرص على أن لا يتم التعامل معه مثل تلك المرة. الأب العاقل لا يجلس عند اصدقاء ابنه المراهقين مرتين
0 التعليقات:
إرسال تعليق